الأربعاء, 02 نيسان/أبريل 2025 15:16

استراتيجية الصين في الشرق الأوسط: التوازن والمصالح والمنافسة العالمية

قيم الموضوع
(0 أصوات)

يهدف هذا التحليل إلى تقديم إطار لكيفية تشكيل دور الصين في الشرق الأوسط في المستقبل، وإلى الكشف أو التنبؤ بأساليب السياسة التي ستتبعها، خصوصًا كونها أصبحت فاعلًا عالميًا يزداد تأثيره في المنطقة، في ظل احتمال حدوث صراع بين تركيا وإسرائيل.

تعتمد سياسة الصين في الشرق الأوسط على سياسة توازن عملية تستند أكثر إلى المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بدلاً من المخاوف الأيديولوجية. وعلى عكس الولايات المتحدة، تهدف الصين إلى كسب النفوذ من خلال التعاون الاقتصادي بدلاً من إقامة تحالفات عسكرية مع القوى الإقليمية.

ويمكننا تقييم نظرة الصين إلى دول المنطقة من خلال العناوين الفرعية التالية.

  1. العلاقات الممتدة من فلسطين إلى إسرائيل

في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت الصين من بين الدول التي دعمت القضية الفلسطينية. إلا أنها في السنوات الأخيرة طورت شراكات مهمة مع إسرائيل في مجالات التكنولوجيا والدفاع والتجارة. ويُعد قطاع التكنولوجيا في إسرائيل محط اهتمام خاص بالنسبة للصين، في حين تنظر تل أبيب بإيجابية إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع بكين. ومع ذلك، تسعى الصين إلى إدارة هذا المسار مع مراعاة حساسيتها تجاه القضية الفلسطينية، ولا تزال تواصل دعم القرارات المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة.

  1. التوازن الحساس بين إيران والعالم العربي

وقّعت الصين مع إيران "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية لمدة 25 عامًا"، والتي تشمل مشاريع كبيرة في مجالات الطاقة والبنية التحتية. ومع ذلك، أبرمت أيضًا صفقات بمليارات الدولارات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، مما يُظهر دبلوماسية متوازنة تنتهجها الصين. من خلال سياستها الخارجية الذكية، اتخذت الصين خطوات مهمة لتقليص النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. كما أن وساطتها بين السعودية وإيران تُظهر أن الصين بدأت تلعب دورًا جديدًا في الدبلوماسية الإقليمية.

  1. في مقابل "القيادة الهدامة" للولايات المتحدة، النموذج البديل للصين بوصفها "قوة ناعمة"
    بينما تحاول الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة توجيه الشرق الأوسط من خلال وجودها العسكري وحلفائها في المنطقة، تنتهج الصين استراتيجية القوة الناعمة. فالجميع يعلم ما ارتكبته الولايات المتحدة من دمار في العراق وأفغانستان نتيجة غزواتها الدموية هناك. من جهة أخرى، عمدت الولايات المتحدة، منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى محاصرة الدول المصدرة للنفط – وعلى رأسها السعودية والإمارات – باستخدام سياسة "الجزرة والعصا"، مُخيفةً إياهم بالخطر الإيراني، وضاغطةً عليهم عبر "اتفاقيات إبراهيم" لدعم إسرائيل ومنعهم من تقديم المساعدة للفلسطينيين، وبذلك فرضت هيمنتها على المنطقة.
  • في الدمار الذي تتعرض له سوريا منذ 13 عامًا جراء الصراع الداخلي الكبير، تتحمل الولايات المتحدة (بالشراكة مع روسيا) مسؤولية جسيمة في تهجير السكان السنّة إلى الدول المجاورة بعد تعرضهم للقتل الجماعي.
    من خلال تأسيسها ودعمها لتنظيمي داعش وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG/PKK) الإرهابيين، تسببت الولايات المتحدة بمشاكل أمنية كبرى في كل من سوريا والعراق وتركيا، حيث لعبت لعبة "اترك الأرنب وامسك بالكلب"، وبهذا فتحت المجال أمام وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG/PKK)لإنشاء ممر إرهابي يصل إلى البحر المتوسط، ثم قامت بتسليح هذا التنظيم بآلاف الشاحنات من الأسلحة والمعدات الحربية، ووصفتهم بـ"شركائنا"، لتُسجل في التاريخ السياسي العالمي كدولة استعمارية إمبريالية تتعاون مع تنظيم إرهابي ضد حليفها في الناتو، وتنشر الدماء والدموع والموت أينما حلت، لتُعرف بأنها "مُصدّر عالمي للشر".
     وفي محاولة منها لتهدئة رد فعل تركيا، التي تعتبرها حليفة، تجاه دعمها لهذا التنظيم، أطلقت اسم "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" على هذا الكيان المسلح، رغم أن عموده الفقري يتشكل من عناصر وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG/PKK)، ويضم أيضًا جماعات انفصالية أخرى من سوريا، وذلك لتضليل الرأي العام ولإخفاء الطبيعة الحقيقية للتنظيم.
     كما تُعد الولايات المتحدة الداعم الأكبر للاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ 76 عامًا في فلسطين، وتُوفر مظلة حماية دائمة لإسرائيل رغم ارتكابها للإبادة الجماعية والمجازر بحق الشعب الفلسطيني.

بالمقابل، تقوم الصين من خلال "مبادرة الحزام والطريق" (BRI) بتنفيذ استثمارات بنيوية في الشرق الأوسط، وتدعم جهود البحث عن بدائل للدولار في تجارة الطاقة، كما تطوّر شراكات متعددة الأطراف. وبهذا الشكل، تُقدّم للدول في المنطقة نموذجًا بديلًا لا يعتمد على الولايات المتحدة، مما يُعزز استقلالية القرار الإقليمي.

ماذا تريد الصين أن تفعل في الشرق الأوسط؟
تقوم السياسة الصينية في الشرق الأوسط على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية طويلة الأمد مع التزام الحياد السياسي. فهي تسعى لبناء توازن استراتيجي من خلال إقامة علاقات مع كل من إسرائيل وفلسطين، والقيام بدور الوسيط بين إيران والدول العربية، ومن خلال ملء الفراغات في المنطقة دون تحدٍ مباشر للولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن هذا النموذج قد يواجه تحديات جديدة مع ازدياد نفوذ الصين في المنطقة، مما قد يضطرها إلى اتخاذ مواقف سياسية أو أمنية أكثر وضوحًا في المستقبل.

في حالة حدوث صراع محتمل بين إسرائيل وتركيا، كيف يمكن أن يتجلى موقف الصين؟

تعتمد الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإسرائيل بشكل كبير على التكنولوجيا والتجارة ومشاريع البنية التحتية. ومع ذلك، تتمتع الصين أيضًا بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية قوية مع تركيا. لذلك، في حالة وجود صراع محتمل بين تركيا وإسرائيل، فإن موقف الصين سيكون مرتبطًا إلى حد كبير بمصالحها واستراتيجيتها العالمية.

  1. أولوية الصين: الحياد والدبلوماسية المتوازنة
    بشكل عام، تتجنب الصين الانحياز في النزاعات الإقليمية وتسعى إلى عدم تعريض مصالحها الاقتصادية للخطر. في حال وقوع صراع عسكري مباشر بين تركيا وإسرائيل، من المحتمل أن تقوم الصين بـ:
  • إصدار بيان حيادي:
    ستتجنب الانخراط المباشر في النزاع وستدعو إلى حل سلمي.
  • الحفاظ على التوازن الدبلوماسي في الأمم المتحدة:
    رغم قربها من تركيا في قضية فلسطين، ستحافظ على علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، محاولة عدم إغضاب أي من الطرفين.
  1. المصالح الاقتصادية وديناميات الدعم العسكري
    تتمتع الصين بعلاقات قوية مع إسرائيل، خاصة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، وبسبب الضغوط الأمريكية، لا تنتهج الصين سياسة بيع الأسلحة لإسرائيل أو دعمها عسكريًا. وبالمثل، فإن علاقتها مع تركيا أيضًا لا تشمل دعماً عسكرياً مباشراً، ولن تدخل في هذا النوع من الدعم مستقبلاً.

في حال حدوث صراع بين إسرائيل وتركيا:

  • من الصعب أن تقدم الصين دعماً عسكرياً لإسرائيل:
    لن تقدم الصين دعماً عسكرياً علنياً على غرار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل. ومع ذلك، قد تقدم مساعدات غير مباشرة في حال طلبت إسرائيل تعاونًا في مجالات التكنولوجيا أو الاستخبارات.
  • محاولة الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع تركيا:
    لدى الصين تعاون واسع مع تركيا في مجالات حيوية مثل الصناعات الدفاعية، البنية التحتية، والطاقة. لذلك، وعلى الرغم من أنها لن تقدم دعماً عسكرياً لأنقرة، إلا أنها ستسعى إلى مواصلة علاقاتها الاقتصادية معها.
  1. تأثيره على توازن القوى العالمية وفي سياق العلاقة مع الولايات المتحدة:
  • استخدام الصراع لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة:
    إذا تحول الصراع بين تركيا وإسرائيل إلى حرب إقليمية، فقد تستغل الصين ذلك لتقويض نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مستفيدة من تشتت تركيز واشنطن.
  • زيادة اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة:
    كلما زاد اعتماد إسرائيل على الدعم الأمني والعسكري الأمريكي، زادت فرصة الصين في تعزيز دورها الإقليمي كموازن غير مباشر، وخاصة عبر توسيع نفوذها الاقتصادي.
  • فرصة لإبعاد تركيا عن الغرب:
    إذا تبنت الدول الغربية موقفاً منحازاً لإسرائيل ضد تركيا، فقد تسعى الصين إلى استغلال هذا الموقف لتقوية علاقاتها مع أنقرة، خاصةً في ظل سعي تركيا نحو تنويع شركائها الاقتصاديين وتقليل اعتمادها على الغرب.

الصين تبقى على الحياد لكنها توظّف التوازنات لصالحها
في حال وقوع صراع محتمل بين تركيا وإسرائيل، فإن الصين من المرجح أن:

  • لا تنخرط عسكرياً بشكل مباشر.
  • تسعى للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع كلا البلدين.
  • تقوم بخطوات تهدف إلى إضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة.
  • تستغل الفرصة لإبعاد تركيا عن الغرب وتعزيز التعاون الثنائي معها.

وخلاصة القول: إن نهج الصين سيكون أقرب إلى استراتيجية موازنة براغماتية تستثمر الفرص، بدلاً من تقديم دعم مباشر أو التدخل في الصراع.

 

علي جوشار – خبير استراتيجي عسكري
إسطنبول – 02.04.2025

قراءة 9 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 25 حزيران/يونيو 2025 15:21
الدخول للتعليق