يتضمن مفهوم السيادة على عناصر السلطة التنظيمية والقضائية ضد العوامل سواءاً الخارجية أو الداخلية بداية من إدارة المجتمع البشري. من منظور إدارة المجتمع البشري، سيكون أحد الأشخاص يستخدمون "القوة والسلطة "في المجتمع وسينال الإحترام الشخص الأقوى والأكثر هيمنة من بين الأفراد الذين يشكلون المجتمع وخصائصة الكيانية. سيؤمن صاحب السيادة الأمن والسلام والطمأنينة في المجتمع.
عندما يقع الناس في صراع فيما بينهم فإنهم يحتاجون إلى نفوذ منظم يهدف لحل مشاكلهم ذو قوة مقبولة ولا يعترض عليها أحد. إن هذه القوة توفر "البيئة الآمنه " التي يحتاجها الناس لأنفسهم ولمستقبل عائلاتهم. وقد أُعطيت هذه البيئة إسم "نظام".ويتم العثور على العدالة في نظام الدولة وأيضا في نتائج الطرق المطبقه على حد سواء. يجب أن يكون نهج الدولة عادل في كل تطبيقاتها. والنتيجة هي قبول المساواة بين مصالح جميع الأفراد والجماعات وتوفير التناغم (التماسك) فيما بينها.
الدولة في الإسلام
بدأت المرحلة الأولى للدولة الإسلامية ببيعات العقبة التي حدثت عامي 620/622 ميلادية. وبهذه البيعات ظهر عنصر الإنسان في الدولة. وتم ظهور عنصر الأرض في المدينة المنورة من خلال الهجرة إليها.
أما عنصر السيادة فكان عائدا لله بالكامل. ويوجد عدة آيات توضح مايخص السيادة في القرآن الكريم. وذكرت السيادة في الآيات بهذا الشكل
كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِين ( سورة الأعراف، الآية 2)
وَهُوَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلْأُولَىٰ وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( سورة القصاص،الأية 70)
بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَٰطِلِ فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (سورة الأنبياء، الاية 18)
إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْءٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ (سورة آل عمران،الآية 5)
وكذلك في (سورة يوسف، الأية 40)(سورة الأعراف، الأية 54)(سورة الأنبياء، الآية 21.22)
وعلى الرغم من أن السيادة عائدة لله إلا أنه من المؤكد أن يكون له ممثلين لتنفييذ الأمور المشار إليها في القرآن الكريم على وجه الأرض بالنيابة عنه. وأجمل توضيح في هذا الخصوص نجده بسورة النساء الآية 59.
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
لايوجد قاعدة أو نظام حول شكل أو تنظيم الدولة في الإسلام. وفي حين أنه لاتوجد آيه في القرآن تتعلق بشكل الدولة، لايوجد أيضاً حديثاً منقول عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية يتعلق بشكل أو تنظيم الدولة.
وهناك رؤى مختلفة حول ما إذا كان هناك رئيس في الدولة الإسلامية أو لا .
يدعي حقوقيون مثل مافيردي وشهرستاني أن هناك حاجة لوجود رئيس للدولة ليحافظ على الدين و ينفذ السياسة العالمية. وقال الغزالي أيضاً أنه لايمكن تنظيم الشؤون الدينية إلا بإمام مُطاع، ووضح رؤيته عن طريق تشبيهه الدين والسلطان على أنهما توأم بقوله " الدين قاعدة والسلطان هو الحارس لهذه القاعدة".
تلقى رئيس الدولة في الإسلام ألقاباً مختلفة بفترات متغايرة. وأخذ رئيس الدولة ألقاباً في القرآن الكريم مثل "خليفة، ملك، إمام". وأٌطلق على رئيس الدولة في الدول الإسلامية عبر التاريخ أسماءً مختلفة مثل خليفة، سلطان، أمير، رئيس، إمام وملك.
العدالة في الإسلام
العدالة هي المفهوم الأكثر أهمية واللازم لضمان النظام في المجتمع. ومن الواضح أنه لن يكون هناك نظام في غياب العدالة.
العدالة في الإسلام؛ التصرف بتساوي مع كل البشر أمام القانون ممايعني عدم التصرف بشكل مختلف تباعاً لإختلافات الناس في الثقافة، المعرفة أو الموقف. ويمكن إيجاد شرح لمفهوم العدالة في الأحكام الدينية المذكورة في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي أخبرنا بها وأعماله التي طبقها بشكل متكرر جداً.
ذُكرت في القرآن الكريم كلمة العدالة في 30 آية حيث ذكرت كلمة العدل في 7 آيات.
تشرح الآية 58 في سورة النساء، أهمية كيفية تعامل الولاة مع الناس وأهمية تأدية الأمانات لأهلها.
والآية 42 في سورة المائدة، توضح أن هناك رابطاً بين الحكم والعدالة، وأن الحكم بالعدالة مُرحبٌ به من الله سبحانه وتعالى.
وفي الآيات الأخرى المتعلقة بالعدالة، تمت مناقشة فضائل عدم الإبتعاد عن العدالة والإنصاف الذي يجب القيام به في كل الأفعال.
تم وصف العدالة في الأحاديث النبوية للرسول صلى الله عليه وسلم على النحو التالي:
وأول هذه السبعة : الإمام العادل .وَهُوَ أقرب النَّاس من الله يوم القيامة ، وَهُوَ عَلَى منبر من نور عَلَى يمين الرحمن - عز وجل - ، وذلك جزاء لمخالفته الهوى ، وصبره عَن تنفيذ مَا تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه ، مَعَ قدرته عَلَى بلوغ غرضه من ذَلِكَ ؛ فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها ، فقالَ : إني أخاف الله رب العالمين .
وهذا أنفع الخلق لعباد الله ، فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها .وقد روي أَنَّهُ ظل الله فِي الأرض ؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظله ، فإذا عدل فيهم أظله الله فِي ظله )اهـ.وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم بتوقيره وإجلاله، )من أجلَّ سلطان الله أجله الله يوم القيامة) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
نهج سيدنا علي رضي الله عنه في الإدارة والعدالة.
دخل علي رضي الله عنه في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم في عمر صغير. تربي على يديه وعاش في كنفه. وأخذه مثاله الأعلى منذ صغره، واعتبر أن يكون مثله هدفاً فريداً، وبقي معه طول الوقت ولم يفارقه أبدا حتى أصبح نبياً.
وهكذا تفضل الرسول الكريم على سيدنا علي رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ) رواه البخاري
وأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال يومَ خيبرَ: (لأعطين هذه الرايةَ غدَا رجلاً يفتحُ اللهُ على يديه، يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه).
وكان علي رضي الله عنه أول قاضياً يرسله الرسول الكريم للولايات. وقد تم العثور على إجتهاداته في الحلول الفقية بقسم من المشاكل الناشئة سواءً في حياه الرسول صلى الله عليه وسلم أو حتي بعد وفاته. وهذه الحلول التي وضعها سيدنا علي رضي الله عنه كانت معتمدة في زمانه ومن أصحابه وأيضاً كانت معتمدة كمصدر هام للمعلومات لكل الفقاء المجتهدين في جميع الفترات الزمنية من بعده.
عندما ذهب سيدنا علي رضي الله عنه لليمن، كان عليه حل قضية جنائية معقدة. لم يعجب الحل المطروح طرفي النزاع وذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فقام أحد الأطراف بشرح الحادثة وحكم سيدنا علي بالتفصيل. وبناءً على هذا، أبدى الرسول صلى الله عليه وسلم مصادقته (موافقته) على الحكم الذي اصدره سيدنا علي رضي الله عنه.
كان مفهوم العدالة في المركز الاول دائماً في الأحكام التي قدمها سيدنا علي رضي الله عنه للحكام والولاة الذين أرسلهم إلى الولايات في فتره خلافته سواءً في إدراة الدولة أو حتى الأحكام الفقهية. وقد وضع سيدنا علي رضي الله عنه لنفسه طرقاً جديدة اكتسبها من نفسه ومن السلف الذين قبله بما يخص الإدارة والتنظيم.
وقد أرسل سيدنا علي رضي الله عنه الاشخاص الجديرين وأصحاب العلم الذين نالوا تقدير الناس كقضاة إلى الولايات. وقد قام بترقية وتكريم هؤلاء الذين أدوا مهامهم بنجاح. وضع علي رضي الله عنه القضاة تحت عدة إختبارات وقام بالإشراف عليهم أكثر من موظفي الدولة الأخرين. واذا سمع رضي الله عنه شكوى مهما كانت صغيرة على الولاة الذين يؤدون مهامهم في مختلف الولايات الأخرى، فإنه يكتب لهم رساله على الفور وينصحهم بأن يكونوا عادلين بين الناس ولا يبتعدوا عن الأمانه والنزاهه.
أرسل سيدنا علي رضي الله عنه االأوامر والرسائل والنصائح للحكام والولاة وقدم لهم الكثير من التوصيات والأحكام. ومن أهمها تلك التي أرسلها إلى مالك بن الحارث (الأشتر) الذي عينه واليأ لمصر.
أمره بتقوى الله و إيثار طاعته و اتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها و لا يشقى إلا من جحودها وإضاعتها و أن ينصر الله سبحانه بيده و قلبه و لسانه
كن عادلا واشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم،انصف الله و انصف الناس من نفسك و من خاصة اهلك و من لك هوى فيه من رعيتك فانك ان لا تفعل تظلم. و من ظلم عبدا لله كان الله خصمه دون عباده. و ليس شيء ادعى إلى تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد. و ليكن احب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و اجمعها لرضى الرعية فان سخط العامة يجحف برضا الخاصة و ان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة.
إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فانهم أعوان أثمة و إخوان ظلمة. و اكثر مدارسة العلماء و استشارة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك .
النتيجة:
مما لاشك به أبداً أن علي رضي الله عنه من أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي. وكان سلوكه وموافقه تجاه الاحداث التي حدثت في عهده وعهد الخلفاء قبله مؤثرة على المسلمين الذين يشكلون المجتمع الإسلامي. أصبح علي رضي الله عنه صاحب مكانة مهمة في المجتمع الإسلامي لكونه شخص ذو كاريزما مميزه بسبب مستواه العلمي المرتفع وأرآئه الصائبة وقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم . وحدد رضي الله عنه نهج الرسول صلى الله عليه وسلم طريقاً لنفسه الذي لم يبتعد عنه وسنة الرسول كانت كمثالاً له في حياته.
لقد أظهر علي رضي الله عنه بكونه رجل دولة مثالاً للإداري الفريد من نوعه، وسار إلى التحديث بقدر ما ساعدته الظروف التي هو فيها في كل مجالات الدولة. يجب الأخذ بعين الإعتبار الأوامر والوثائق التي أرسلت للأمراء والأحكام المعطاة للقضاة والولاة المعينين في زمن الخلافه من قبل الإداريين في أيامنا الحالية ويجب قرائتها عدة مرات والإالتزام بتطبيقها.